يعتبر الختان من أكثر أنواع العمليات الجراحية انتشارا في العالم على الإطلاق، بل هو من أكثر العادات التاريخية المنتشرة بقوة في كل جهات وبلاد العالم، وإن اختلفت بشكل كبير من منطقة إلى أخرى لعدة عوامل تاريخية ودينية واجتماعية وحضارية، إلخ…
بشكل عام، فمنظمة الصحة العالمية تقول بأن أكثر من 37 في المئة من الذكور في العالم قد استفادوا فعليا من الختان لدواعي ثقافية أو علاجية، ولكن خصوصا لدوافع دينية.
وإذا تعاملنا مع هذا العالم على أساس جغرافي، فإن حوالي 20 في المئة من الرجال قد تم ختانهم في آسيا، سواء لأسباب دينية كما هو الحال مثلا في إندونيسيا وماليزيا والدول العربية والإسلامية الآسيوية، أو طبية فيما يخص بلدانا مثل الفليبين وكوريا الجنوبية حيث الختان منتشر بكثرة يصعب تفسيرها طبيا إذا علمنا مثلا أن 86 % من الذكور الكوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 29 سنة قد تمّ ختانهم وفقا لإحصائية أنجزت سنة 2002، ولا يبدو حاليا أن الأمور في طريقها إلى التراجع. أما الدولة الآسيوية التي لا ينتشر فيها الختان بتاتا فهي ليست الصين كما قد يظن البعض – حيث 10 في المئة من السكان الذكور مختونون – بل هي اليابان بنسبة تقل عن 1 في المئة لدواعي دينية وثقافية تعطي قيمة كبيرة لسلامة الجسد “الذي لا يعتريه أي تغيير”.
أما في إفريقيا، فالختان منتشر وسط الذكور بنسبة مرتفعة تتعدى 70 في المئة لدواعي دينية بديهية وسط المجتمعات الإسلامية، وأيضا ثقافية حيث تعتبر وسط العديد من دول وسط وجنوب القارة طقسا ضروريا للمرور من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والفحولة. لكن الختان منتشر أيضا بفضل حملات الختان التي تنظمها المنظمات الصحية المحلية والدولية للوقاية من انتشار مرض السيدا أو الإيدز. وتبقى مصر أكثر الدول الإفريقية تعاطيا للختان بنسبة تتجاوز 90 في المئة في مقابل بعض دول غرب إفريقيا مثل السنغال وبوركينافاسو حيث لا تتجاوز النسبة 20 في المئة بالنسبة للأولى و11 في المئة بالنسبة للثانية.
أفتح قوسا فيما يخص بلدي المغرب، حيث كنت أظن صراحة أن الأغلبية الساحقة من المغاربة يتعاطون الختان، لكن تبين – وفقا لدراسة أجريت بين سنتي 2011 و2012 أن هناك حوالي 72 في المئة من الذكور المغاربة فقط هم المختونون. السبب حسب بعض الدراسات يعود إلى كون الختان غير منتشر كفاية في بعض المناطق مثل الريف والأطلس المتوسط حيث تغلب العادات والتقاليد على الدوافع الدينية.
الحالة في الولايات المتحدة الأمريكية تبقى مثيرة للاهتمام لأن هذه الدولة المترامية الأطراف تعتبر الدولة الغربية الوحيدة التي ينتشر فيها الختان بكثرة، إذ تتراوح نسبة الختان بين الرجال ما بين 60 إلى 70 في المئة رغم كونها تراجعت مؤخرا بسبب الحملات الشعبية التي تدعو إلى إلغائها، وبسبب أن أغلب الدوافع الطبية التي كانت مرتبطة بها قد تم دحضها أو استبدال حلولها باستثناء ربما الوقاية من الإيدز. وتختلف نسبة انتشار الختان في الولايات المتحدة الأمريكية حسب العرق على وجه الخصوص، بحيث يعتبر الختان أكثر شيوعًا بين الرجال البيض غير اللاتينيين (حوالي 72٪) منه بين الرجال السود غير اللاتينيين (حوالي 56٪) والرجال من أصل لاتيني (حوالي 44٪). ينتشر الختان أيضًا أكثر في مناطق جغرافية معينة، مثل الغرب الأوسط والجنوب، منه في مناطق أخرى، مثل الشمال الشرقي.
في أوروبا، يعتبر انتشار الختان بشكل عام منخفضًا نسبيًا مقارنة بباقي أرجاء العالم. فوفقًا لدراسة أجريت في عام 2019، تم إجراء الختان عند حوالي 18٪ من الرجال القاطنين في القارة العجوز. ومع ذلك، فإن هذا الانتشار يختلف اختلافًا كبيرًا بين البلدان، مع انتشار أعلى في دول أوروبا الشرقية مثل ألبانيا، البوسنة والهرسك، أرمينيا، النمسا، روسيا البيضاء، بلغاريا، كرواتيا، إلخ… حيث للدين تأثير أكبر في تلك المجتمعات خصوصا بين اليهود والمسلمين، عكس غرب أوروبا بحيث نجد حتى بين اليهود والمسلمين نسبا متدنية جدا من الذكور الذين استفادوا من الختان. فمثلا في فرنسا، لا تتجاوز هذه النسبة حوالي 20٪ عند اليهود وأقل من 5٪ عند المسلمين !
على ضوء كل هذه الإحصائيات، يمكننا الخروج بالعديد من الاستنتاجات أهمها أن الختان يتم لدوافع مختلفة قد تكون طبية أو ثقافية أو دينية أو مزيج بين هذه وتلك، كما أن نسبة انتشاره تختلف من دولة إلى أخرى ومن عرق إلى آخر بالإضافة إلى عوامل أخرى نفصل فيها من خلال دروسنا الخاصة بالمشتركين. لكن أهم استنتاج يمكن الخروج به من خلال كل ما ذكر هو أن الختان منتشر بشكل مثير للدهشة في كل أنحاء العالم تقريبا ومنذ مدة ليست بالقصيرة. والأغرب من ذلك أنه لم يتم لحد الساعة تحديد أسباب هذا الإنتشار الكبير بدقة، وكأن الختان نابع من الفطرة البشرية أو استجابة طبيعية من الجنس البشري لظروف محيطة مختلفة باختلاف البيئة والموروثات الثقافية والاجتماعية والدينية…
0 تعليق